روضة الصائم

خدمة الزوجة

16 مايو 2019
16 مايو 2019

حمود بن عامر الصوافي -

موضوع خدمة الزوج شغل بال الفقهاء منذ أمد وربما لم يع الخاصة فضلا عن العامة من الذكور أو الإناث إلا الوجوب منه، وقد يكون جهل النساء بالخلاف في هذه المسألة أفضل لنا نحن معاشر الرجال لكي لا تطالب المرأة أكثر مما حصلت عليه، وقد يقول قائل: أليس ذلك من حقها؟ بلى من حقها ولكننا تعودنا على أمر، وسِرنا على وفق قول، لنا فيه يسر وراحة فلا نريد أن يشدد علينا ونلزم فوق التزاماتنا، أما يكفينا أننا قوامون على النساء، نجزل العطايا، ونقدم المهور لهن، قال تعالى:« الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا».

إلا أن ما نود الحديث عنه هنا ليس الرأي الفقهي فمحله كتب الفقه التي أفاضت الحديث عنه والتفصيل فيه، ولكن حديثنا عن نظرة الرجل العربي والمرأة العربية إلى عمل الزوج في بيته، والمروءة التي كان يتمثل بها العرب في حرصهم على تقديم الطعام لأضيافهم.

كان ينظر في السابق إلى عمل الرجل في بيته والقيام بأعمال المنزل من خوارم المروءة ومن عادات النساء التي لا تليق بالفرسان وأهل الحسب والنسب وكرام العرب وليس معناه أن العمل عيب بيد أن العادة صارت محكمة كما يقال وجرت أن يقوم الرجال بالأعمال الصعبة كالبحث عن لقمة العيش ومحاربة الأعداء وحماية الأسرة من الخارج وأعمال الفروسية وركوب الخيل، وتقوم المرأة بأعمال المنزل وتربية الأولاد والاهتمام بأمورهم وحفظ أسرار الأسرة إلى آخره لذلك كان يستنكر على الأب أو الزوج أن يطحن ويخبز ويمارس أعمال النساء وهو يعيش في مجتمع يكثر فيه القتل والنهب والسلب والاعتداء على الآخرين ومواجهة السباع الضارية ومختلف أنواع الجوارح لذلك كان حريا بالزوج أو الرجل أن يكون أهلا لممارسة الأمور الصعبة ومزاولة الأعمال الشاقة التي تحب المرأة العربية الأصيلة أن تجدها في زوجها وتراها ماثلة أمامها تفاخر بها أمام صويحباتها، وتنافس بها زميلاتها، فمما يروى في هذا الشأن أن امرأة رأت خطيبها يعمل عمل النساء يطحن ويخبز فاستنكرت عليه أشد النكير وأبت عليه أشد الإباء وكأنها أحست بالدونية والخجل من صويحباتها أن تكون قد اختارت زوجا يزاول مهنة النساء، وانتقت زوجا يجيد عمل المرأة فظنت من سذاجتها أن زوجها لا شأن له في القتال والكرم وأن مهنته تقتصر على عمل تجيده وحدَها، فخافت وارتاعت جراء ذلك فأخذت تدق صدرها وتستغرب من فعال زوجها، وقد أجادت في تصوير حال زوجها والاندهاش من إتقانه طحن الحب، وقعدته في صنعه، فسمته بالمتقاعس «الذي يخرج صدره ويدخل ظهره»، فقالت معاتبة ومستنكرة على هيئة سؤال يوحي بشدة الغرابة وعظم الخطب وشدة الأمر:

تقولُ - وَدَقَّتْ صدرها بيمينها أبعلي هذا بالرحى المُتقاعِسُ؟!

ولكنه لم يتركها حيرانة، ولم يعجبه أن ينعت بما تنعت به المرأة بل ذكّرها سبب عمله، ومدى شهامته وقوته في مقارعة الظلمة والمعتدين، فقد جمع الحسنيين وهما أهم ما يتحلى بهما الرجل العربي الشهم: الكرم والشجاعة.

وكأنه أراد أن يقول لها: من يصنع الطعام لأضيافه ويكون بطلا مقداما في الميادين لهو الرجل الذي لا يضاهيه الرجال ولا يوجد أمثاله إلا القلائل، فرد عليها قائلا:

فقلتُ لها لا تعجلي وتبيَّني فَعَالي إذا التفَّتْ عليَّ الفوارِسُ

ألستُ أَرُد القِرْنَ يركبُ دِرْعَهُ وفيهِ سِنَانٌ ذو غِرارينِ يابِسُ

لَعَمْرُ أبيكِ الخيرِ إنِّي لخادِمٌ لضيفي، وإني إنْ ركبتُ لَفَارسُ

فنعم الرجلُ الذي يخدم في بيته ويعين زوجته ويكرم زائريه، ولا ينسى عمله في مؤسسته أو مكانه في منطقته أو ما هو مسؤول عنه من حماية الأسرة وتقديم الأفضل والأمتع لها.

بل إن من يتقاعس عن خدمة أهله ومجتمعه بحجة أنها أعمال نسائية لهو جدير باللوم والنبي صلى الله عليه وسلم كان قدوتنا، يعمل في بيته يخيط نعله، ويسرح شعره، وكان في ميادين القتال بطلا لا يشق له غبار فقد كان الإمام علي كرم الله وجهه يقول: إذا اشتدت بنا الحرب وحمي الوطيس لجأنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.